ماريو روسي مهندس إيطالي معماري المولود في مدينة روما في العام 1897م . قدم إلي مصر في بداية مرحلة شبابه في أوائل العشرينيات من القرن الماضي ، استقدمه الملك فؤاد الأول ليعمل في وزارة الأشغال المصرية وليشرف علي القصور الملكية . كان التشييد المعماري للمساجد حتي منتصف القرن التاسع عشر مقصوراً علي الضروري فقط في هذا المجال يعود ذلك إلي حالة الفقر من ناحية وإلي التناقص في عدد السكان من ناحية أخري في بلاد مثل مصر والشام ولم يكن الناس في حاجة إلي إنشاء مساجد كبيرة جديدة . ولكن الأمر تغير تماماً ، فماأن وصل فؤاد إلي سدة الحكم حتي تبدلت الأمور تماماً ونهضت الطبقة المتوسطة بظهور جماعات الأعيان مما أدي إلي زيادة الاهتمام والرغبة في إنشاء المساجد . ... ____________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________ ... ظهرت عبقرية ماريو روسي واضحة في قيامه بإنشاء وبناء مسجد العارف بالله أبي العباس المرسي في مدينة الأسكندرية ، واستغرق البناء مدة ست عشرة سنة وبعد سنوات وسنوات قضاها ماريو روسي في دراسة فن العمارة الإسلامية المصرية واستيعابها حتي شرع في بناء هذا المسجد علي هيئة منحني اقتبس هيئته من عن البفنان المعماري العثماني سنان بن عبد المنان بن عبد الله الذي اتخذ الشكل المثمن أو المسدس في تصميم عمائره . وبينما كان سنان يتحري هذا الشكل لكي يقيم قبابه الكبري علي أضلاع المسدس أو المثمن نجد أن روسي يدع مجالاً واسعاً للسقف ثم ينشئ قبة مسجد أبي العباس المرسي في المنتصف قائمة علي دعامات حجرية ملبسة بالرخام وترك روسي خارج المثمن رواقاً يدور مع بيت الصلاة والمسجد كله بيت صلاة أي أن روسي استغني عن الصحن في مسجد أبي العباس ... ______________________________________________________________________________________________________________________________________________________.. فقبة مسجد أبي العباس ترتفع عالية عن الأرض بما يقرب من ستة وعشرين متراً وهي من الداخل تمثل قطعة من الفن المعماري البديع حيث تتدلي منها ثريا ضخمة تضارع تلك الموجودة في مسجد محمد علي باشا بقلعة صلاح الدين الأيوبي . فالثريا التي تحوي بضعة أطنان من البرونز والنحاس والبلور ، ولكي تتحملها القبة فقد أرسي ماريو روسي علي قاعدتها ثمانية أعمدة من الجرانيت الوردي تم نحته في لإيطاليا خصيصاً ليحمل بعدها إلي موقع المسجد. والقبة من الخارج مزخرفة بزينة منحوتة في الحجر وهي علي رأي الدكتور حسين مؤنس في كتابه عن المساجد تعد من أجمل القباب التي أقيمت في مصر بأسرها ، وعلي أعمدة المسجد تقوم عدة عقود بالغة الارتفاع مدببة . ... _____________________________________________________________________________________________________________________________________________________________ ... ويعد هذا الطراز من ابتكارات روسي نفسه وقد اقتبسه وطوره من بعد ذلك في مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينة المنورة ، وقد ابتكر روسي العديد من تيجان الأعمدة وقواعدها المحلاة بالبرونز وسري من بعد ذلك اقتباسها في العديد من المساجد . ويعد محراب مسجدنا هذا من أجمل المحاريب في المساجد حيث يزيد ارتفاعه عن ارتفاع المنبر ألي جواره ويتميز بإطار من الرخام المزين بالفسيفساء والتجويف الفريد في بابه . أما المئذنة فهي تمثل طفرة جديدة من حيث الارتفاع فقد استعان روسي عند وضع تصميمها بأن جعل من الجزء الأسفل منها له أربعة أضلاع لتستمر بعد ذلك المئذنة في الارتفاع مستديرة . ... ______________________________________________________________________________________________________________________________________________________________ ... وقد كانت لتصميمات روسي التي وضعها في هذا المسجد نقطة تحول في مسيرة عمارة المساجد في مصر منها إلغاء صحن الجامع بسبب صغر مساحة الأراضي المخصصة للبناء ، ولكن ذلك لم يؤد بطبيعة الحال إلي تقليل أعداد المصلين ، وهنا نجده للمرة الأولي في تاريخ العمارة الإسلامية المساجدية كيف أن المعماري قد استطاع الاستفادة من المساحة المتاحة له علي أحسن صورة ممكنة . ... ومن النقاط الرئيسية التي بدأت مع بناء هذا المسجد وتصميمه أن نجد العناية لأول مرة بفن التوريق او الأرابك يعود من جديد ، ولنا أن نذكر أن محمد علي في مسجده بالقلعة لم يهتم بمثل هذا الفن وكان قليلاً في الأهمية المعمارية بالنسبة له . وقد أبدع روسي في استخدامه للتوريق في مسجد أبي العباس المرسي بالداخل والخارج علي حد سواء ، كما استخدمه في تصميم النوافذ ، وكذلك استخدم روسي القباب الزخرفية وهو فن عرفه الأتراك عند إنشاء مساجدهم ، لكن ماريو روسي ابتكر قباباً كاملة وصغيرة الحجم في أركان سقف المسجد . وما أن انتهي ماريو روسي من تشييد هذا المسجد حتي شرع فيما بين أعوام 1948م ـ 1951م في إنشاء مسجد ثان في مدينة الأسكندرية أيضاً وهو مسجد محطة الرمل الذي يعد هوالآخر درة في عالم العمارة المساجدية المعاصرة . ... وقد واجه روسي في أول الأمر مشكلة وجود هذا المسجد وسط مبانٍ عالية ، ووجد أنه من الممكن أن يختفي المسجد عن العيون ولو قليلاً ، لذا تعمد روسي أن يرتفع ببناء المسجد عالياً بقدر لتستقر عليه العين ، ثم جعل روسي من منتصف جدار القبلة مئذنة تطفو نحيلة أنيقة لتمضي نحو السماء حيث تشرف مئذنتها علي المباني المجاورة ، واستطاع روسي أن يمهد لتلك الطفرة العالية بصفوف من النخيل أحاط بمثلها مسجد أبي العباس المرسي . ولم يأت روسي بتحقيق هذا الارتفاع من فراغ فقد أدي ذلك إلي إطالة المسافة بين شرفة الأذان الأولي والشرفة الثانية واستمرت المئذنة في صعودها حتي انها جاوزت المألوف . ثم عاد روسي وأنشأ " الجوسق " متوجاً إياه بعمامة بيضاء الهيئة ، وتعد تلك المئذنة نوعاً من الجرأة التي استندت علي حساب علمي معماري دقيق وهي في هيئتها وحسن استخدام روسي لكل ما تيسر له من عناصر المعمار والزخرفة المصرية باشكالها وهيئاتها . ... __________________________________________________________________________________________________________ .... مسجد سيدى ياقوت العرشى غرب مسجد أبو العباس